ثقافة في كتاب جديد للصحفي هادي يحمد: داعشي تونسي يروي تفاصيل مثيرة عن حياته في الرقة وفراره من تنظيم داعش
بعد كتابه الأول "تحت راية العُقاب" والذي تطرق لظاهرة السلفية الجهادية في تونس، رفع الصحفي والباحث في شؤون الحركات الاسلامية هادي يحمد، خلال ندوة صحفية عقدت صباح يوم الخميس 23 مارس بمقر نقابة الصحافيين، رفع الستار عن كتابه الجديد «كنت في الرقة ـ هارب من الدولة الإسلامية» والذي سيكون متوفرا للبيع في معرض الكتاب في جناح دار نقوش عربيّة.
في مستهل اللقاء، بيّن الصحفي مختار الخلفاوي أن كتاب يحمد يقدّم شهادة ارهابي تونسي يدعى محمد الفاهم التحق بتنظيم داعش بسوريا قبل أن يغادرها الى اسطنبول لأنّ "الدولة الإسلامية لم تكن كما ينبغي." ويهدف الكتاب، وفق تقديم الخلفاوي، الى تحريك البرك الآسنة في عالمنا العربي والإسلامي وقد تدفقت عليها أنهار من الدماء وإلى إدانة نمط ثقافي ديني ينتج الحالة المعروضة في الكتاب مع الاشارة الى المسافة التي اتخذها الكاتب من الشخصية التي حاورها حتى يحافظ على صدق الرواية وعلى موقفه.
وفي هذا السياق، صرح هادي يحمد أنّ جنس كتابه إشكالي لأنّه ليس بحثي بالمعنى التقليدي، فهو يُصنف ضمن البورتريه ولكن ليس بورتريه صحفي كلاسيكي بل سرد لقصة الإرهابي التونسي محمد الفاهم، وهو نموذج للعشرات من التونسيين الذين التحقوا بتنظيم داعش لكنه لا يخلص الظاهرة التي تعد قرابة 5 آلاف إرهابي تونسي ارتحلوا للالتحاق بالتنظيم.
وبيّن هادي يحمد أنّ الكتاب يعطي فكرة نوعية حول هذه الشخصية والسمات المشتركة مع العشرات من أمثاله مضيفا أنّه كما جاء في مقدمة الكتاب فإنّ "المؤلف ثمرة لقاء غريب، مأتى الغربة ليس فقط في الرواية المشوقة ولا في أهمية تفاصيلها ولكن أن تُروى من قبل فاعلها. ربّما تكون سابقة في أن يروي شاب عاش ضمن تنظيم «الدولة الإسلامية» أو ما يصطلح عليه بداعش تجربته الى الرأي العام»، فهم ـ والكلام ليحمد، يرفضون الحديث ويكفرون الدولة والمجتمع والاعلام، يعني هناك نوع من استحالة الحديث مع هؤلاء الذين تمرغت أياديهم في الدماء.

وحول طريقة اتصاله بالإرهابي محمد الفاهم، قال الصحفي هادي يحمد إنّه كان له اتصال بشقيقة أحد الإرهابيين الذين قتلوا في سوريا في عملية إرهابية... وقال إنّه طلب من هذه الفتاة أن تدله على مقاتلين تونسيين التحقوا بداعش فأخبرته أنّ العديد منهم موجود على الحدود السورية في تركيا..
في مرحلة أولى بيّن هادي يحمد أنّه انتقل إلى اسطنبول حيث اتصل بأحد الإرهابيين الذين تحصل على رقم هاتفه، لكنه رفض الحديث معه وكانت العملية فاشلة في حدّ ذاتها.. ثمّ عاود الاتصال به فمدّه بأرقام أخرى.. ومن جملة هذه الأرقام، رقم لإرهابي تونسي اسمه محمد الفاهم، فاتصل بن على مواقع التواصل الاجتماعي مُعرفا بهويته وهو أنّه صحفي ينوي العمل حول الإرهابيين التونسيين وأنّه يرغب في رواية قصته، فاستشعر أنّ لهذا الشخص رغبة في الحديث في الموضوع...
وواصل يحمد قائلا: «تواصلت مع محمد الفاهم قرابة الشهرين أو الثلاثة، ولما لمست قناعة أنّه أصبح بإمكاني أن أنجز شيئا ما، تحدثت مع بعض الأصدقاء وأحطتهم علما أنّني ذاهب لمقابلة أحد الإرهابيين وقد يحصل ما يحصل.. عدت الى اسطنبول وقد اتخذت بعض الاحتياطات الأمنية.. التقيت مع محمد الفاهم بأحد مقاهي اكساراي وانطلقت الرحلة.
ويضيف الصحفي: «نجحت في أن أروّض هذا «الوحش» الذي تمرغت يداه بالدماء وقمت معه بحوارات مطولة لمدة قاربت الشهر في أماكن عمومية وسجلت كل كلمة للتوثيق، وتم هذا الأمر: حمل ثقيل شهادة ارهابي مفصلة».
يضيف هادي يحمد: «طُرحت علي بعد ذلك عدة إشكاليات، إذ كيف سأتعامل مع هذه المادة، وكيف سأتأكد من المعطيات التي تحصلت عليها؟» ويجيب يحمد أنّه عمل على التثبت من مصادره الخاصة ومن أصدقائه السوريين ومن المرصد السوري لحقوق الإنسان حول كل الأحداث المسرودة في الكتاب مع الإشارة الى أنّه أعلم محمد الفاهم أنّه لا يستطيع الكتابة من دون أن تكون هوية مخاطبه واضحة وهو ما وافق عليه الإرهابي مشيرا الى أنّ هذا الأخير متورط في قضية وادي الليل الإرهابية وأنّ اسمه ورد في محاضر البحث.
وأردف هادي يحمد قائلا إنّ العمود الفقري لكتابه هو قصة إرهابي تونسي التحق بمدينة الرقة السورية وشارك في عدة غزوات منها كوريس وتدمر ورحلات أخرى في الأراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش. وقال إنّ الكتاب بمثابة رواية تطرقت لحياة إرهابي وللغزوات التي شارك فيها، وبكلّ ما يتعلق بالتونسيين في الرقة ضاربا مثال الفصل 13 «أيام في الرقة» الذي يؤكد كثافة وجود التونسيين في الرقة، ويأتي على موضوع زواج النكاح من وجهة نظر معينة وإلى هرمية التنظيم وإلى مكانة المرأة المهاجرة وإلى تقسيم الكتائب.
وبخصوص حياة الإرهابي محمد الفاهم في تونس قبل أن يرحل الى الرقة، قال هادي يحمد إنّه عاش حياة طبيعية، ومن طبقة اجتماعية عادية قبل أن يعتنق الفكر التفكيري، وقد ولد في فرنسا وعاش هناك 5 سنوات وكانت أمه تخشى عليه من الضياع في ثقافة المهجر فضاع في غياهب بلاده وثقافة داعش. وبسبب تردده على المساجد قبل الثورة مُنع من جواز سفره وتمّ إيقافه وتعذيبه مما أجج نقمته على المنظومة في ما التبست هذه الرؤية بالرؤية الدينية..
وختم يحمد تقديمه قائلا إنّ كتابه يحاول الإجابة على عدّة أسئلة من خلال رواية حياة الإرهابي في الرقة، وهو ليس بكتاب ايديولوجي بل يرمي إلى الإشارة إلى مواطن الداء في الثقافة التي أنجبت محمد الفاهم والعشرات من الشباب التونسي.. وأضاف أنّ كتابه لا يدعي تفسير كل الظاهرة بل سيجد القارئ من الأسباب والأحداث التي تفسر هذه الظاهرة بشكل من الأشكال.
شيراز بن مراد